علي غالب Admin
عدد المساهمات : 352 تاريخ التسجيل : 18/08/2011 العمر : 31 الموقع : العراق\البصره
| موضوع: درس تفسير سوره العصر الجزء الاول للسيد موسى الصدر الخميس أغسطس 25, 2011 11:58 pm | |
| درس تفسير سورة العصر الجزء الاول للسيد موسى الصدر
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم ، والعصر، إنّ الإنسان لفي خُسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. صدق الله العظيم.
وصلنا في بحثنا الى سورة "العصر"، وهي سورة معروفة عظيمة الشأن، ففي الأحاديث المتواترة والمنقولة عن الشيعة، يعني: هذا موجود في تفاسيرنا، وفي تفاسير السنّة، في تفسير "نور الثقلين" (من تفاسير الشيعة)، وفي تفسير "السيوطي" (من تفاسير السنّة).. هذا الحديث منقول، مما يؤكد أنّ الحديث ثابت تاريخياً بأنّ أصحاب رسول الله (ص) في أول الدعوة وفي أيام الرسول ما كانوا يفترقون بعد الالتقاء بعضهم عن بعض إلا بعد أن يتلو أحدهم على الآخر سورة "العصر".. هذه السورة من الموحيات والمقوّيات للعزيمة، ومن الشعارات التي كان من اللازم الانتباه إليها دائماً، حتى أنا في ذهني أن أطلب من الأخ أن يكتب هذه السورة بخط جميل ويعلّقها على حيطان المعهد.. أولاً/ المعنى السطحي للتفسير لا يخفى عليكم، والقرآن الكريم يقول: احلفوا بالعصر، اقسموا بالعصر، إنّ الإنسان لفي خُسر، في نقصان، في خسارة، إلا البشر الذي يكون فيه أربع خصال (الإيمان، والعمل بالصالحات، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر): كل بشر في خسارة إلا الذي يكون فيه هذه المزايا الأربع.. ما معنى العصر؟ وما هو سبب اليمين بالعصر؟ نحن نحلف يميناً بالأشياء المقدسة، نحلف يميناً بالله، وبرسول الله، نحلف يميناً بالله، فنقول: وحياتك، دائماً اليمين (يتم) بالشيء المقدس والمحترم عند الخالق، هل العصر محترم ومقدس عند الله؟ هذا هو البحث الأول.. أما معنى العصر، فالعصر كما تعلمون استُعمل ويُستعمل في أكثر من معنى، فهناك العصر مقابل الظهر: يعني آخر النهار، وهناك العصر بمعنى الدهر والأيام: عصر الرشيد.. عصر الجاهلية الأولى.. عصر النبي.. هذا المعنى الثاني، كذلك فالعصر مصدر من عصر يعصر، بمعنى الضغط على الشيء، هذا أيضاً عصر، فما هو المقصود بكلمة العصر باليمين المبدوء به السورة المباركة؟، لأي أمر نفهم معنى كلمة العصر؟.. أذكر لكم بحثاً عاماً حول اليمين في القرآن الكريم، لأنّ القرآن الكريم في أكثر من أربعين موضعاً يحلف يميناً، والأيامين القرآنية تختلف عن الأيامين الأخرى.. نحن نحلف بالله، برسوله، بكتبه، بملائكته، بحياة محمد، بحياتي، بحياتك، لكن القرآن لا يحلف بهذا الشيء، القرآن يحلف بالموجودات السماوية والموجودات الأرضية، فيقول مثلاً: والشمس وضحاها (الشمس-1)، يحلف بالشمس، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفسٍ وما سوّاها (الشمس / 2-7)، اليمين بالموجودات الكونية: بالشمس، بالقمر، بالليل، بالنهار، حتى بالنفس، وهكذا.. والتين والزيتون وطور سينين (التين / 1-2)، و والضحى والليل إذا سجى (الضحى / 1-2). فإذن: اليمين طالع في القرآن، حتى أنّ بعض الماديين أخذوا على القرآن كثرة اليمين فيه، لماذا؟.. أرجـو الانتباه: لأنّ هذا بحث مستقل، قد يكون اليمين تأكيداً على صحة القول، مثلاً: أنا حينما أريد أن أقول شيئاً وأؤكده لك، فأقول: "والله"، أو "وحياة محمد"، أو "وحياتك"، أو "وحياتي"، اليمين قد يكون للتأكيد على صحة القول، أنا أريد أن أثبت لك صحة ما أقول، فأقول: "والله"، "وحياتك"، "وحياتي"، معنى مباشر لليمين أن أجعل شيئاً مقدساً بيني وبينك، وأجعله ضمانة لصدقي، أليس كذلك؟ هذا معنى اليمين العرفي، لكن هذا المعنى ليس كل شيء في القرآن الكريم، لأنّ القرآن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا ريب فيه، وخاصةً في مخاطبة الله مع الرسول، والإنسان لا يشعر بلزوم هذه التأكيدات واليمين والقسَم.. هنا يأتي معنى ثانٍ لليمين، وهو لفت نظر السامع الى قداسة المقسوم به، يعني، أنا عندما أقول: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، ثم أسرد ما أريد أن أقول، عندها كل مستمع يشعر بأنّ هذه الأمور التي يُحلف بها هي أمور مقدسة، وإلا فلماذا يُحلف بها؟ انتبهتم للفائدة الثانية لليمين؟ مثلاً: أنت تريد أن تؤكد لشخص أنك تحترم فلاناً، ويأتيك أحدهم يفتن على شخص غائب، على زيد من الناس، أنت تلتفت الى هذه المحاولة، فتقول له: "وحياة زيد" أنا أعمل كذا وكذا.. المستمع ماذا يفهم من هذه الكلمة؟ يفهم أنّ حياة زيد عزيزة على القائل، ولهذا يحلف بها، أنت نفّذت مقصدك وبيّنت كلامك بشكل غير مباشر.. قلت: "وحياة زيد أفعل كذا".. فإذن: فائدة اليمين ليست للتأكيد على صحة الكلمة، قد يكون لليمين أثر آخر هو لفت نظر المستمع الى قداسة ما يحلف المتكلم به، فإذا أنا قلت أو إذا القرآن الكريم قال: والتين والزيتون فإنّ المستمع يفهم أنّ التين شيء مقدس، وأنّ الزيتون شيء مقدس، فإذن: معنى اليمين في القرآن (زيادة على المعنى العادي لليمين) هو لفت نظر لقداسة ما يحلف القرآن به.. بناءً على هذا: نحن نقدر أن نستخلص من القرآن قداسة هذه الأشياء، هنا نتساءل: لماذا هذا التأكيد؟ لأي سبب يريد القرآن الكريم أن يلفت نظر المستمع الى قداسة التي والزيتون والضحى والعصر والشمس والليل والنهار؟ لماذا؟ هذا حقل من الحقول التربوية في الإسلام، الإسلام يريد أن يؤكد للبشر بأشكال من البيان وبطرق متعددة من التعبير بأن كل ما حولك من الموجودات مقدس، ليس في الكون أمر حقير، ولا شيء خفيف، ولا شيء ببعيد عن الله، ولهذا تجد أنه (تعالى) أحياناً يقول أنّ الشمس والقمر والنجوم كلها ساجدة لله: ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر الدواب وكثير من الناس (الحج-18)، ويقول أنّ كل ما في الكون مسبّح لله: يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض (الجمعة-1)، "ما" وليس "مَن"، كل ما في السموات وما في الأرض، وأحياناً يقول: ويسبّح الرعد بحمده (الرعد-13)، وأحياناً يقول: والطير صافات كلٌ قد علِم صلاته وتسبيحه (النور-41)، الرعد يسبّح، والطير يصلّي ويسبّح.. هذه هي النظرة القرآنية الى الموجودات الكونية، ومن هذه الحلقات التربوية نصل الى هذه الحلقة: محاولة تقديس هذه الأشياء، وليس عبادة هذه الأشياء (كالوثنيين)، محاولة تكريم هذه الأشياء.. والشمس وضحاها: لا تفكّر أنّ الشمس موجود كوني عادي لا احترام لها، لا، الله يحلف بالشمس، يعني الشمس شيء مهم، لماذا مهم؟ لأنـها ساجدة لله كما قرأنا في السورة السابقة.. وهكذا: والتين والزيتون وطور سينين، والليل والنهار، والسماء والأرض، والنفس، والنجوم، وكل هذه النقاط.. فإذن: الغاية الأصلية من اليمين بالموجودات الكونية لفت نظر البشر الى قداسة هذه الأشياء، والمقصد من القداسة هو التربية الدينية التوحيدية حتى نشعر نحن البشر بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم في خطنا الديني التوحيدي، بل نحن في هذا الكون مع موكب، مع مهرجان من العالم، مع طقوس تتكون من كل موجودات العالم في محراب الله، يعني أنا لست وحدي، والمؤمنون ليسوا وحدهم، بل السماء والأرض، الأشجار، الجبال، الرعد، أمواج البحر، حركة الأوراق في الأشجار، وكل شيء في الكون.. كلها ساجدة لله مسبّحة له مصلّية له بشكل من الأشكال.. فإذن: الكون كله محراب لله، والإنسان جزء من هذه المجموعة، فحينئذٍ لا تنظر للموجودات الكونية نظرة احتقار، ولا تشعر بأنّ هذه أمور ليس لها عقول.. جامدة، بل هي متحركة من حيث لا تعرف، بلى: أشياء جامدة، ولكن سيرها سجود لله، هذا بحث آخر ذكرناه في بعض أبحاثنا السابقة: أنّ السجود يعني غاية الخضوع، والموجودات الكونية خاضعة ومطيعة إطاعة مطلقة للأوامر الإلهية التي نسمّيها عوامل كونية، والتسبيح عبارة عن التنظيم، فكما أنّ البناء الضخم يشهد على خبرة المهندس فهكذا كل ذرّة من ذرّات الكون تشهد بعظمة الله وعدم النقص في ذات الله، وهذا معنى التسبيح: قد يكون باللسان، بالتسبيح، وقد يكون بالوجود، وهكذا.. (هذا بحث آخر).. لكن هنا قصدنا من هذا البحث أن نصل لهذه النقطة وأنّ الموجودات الكونية موجودات سالكة في الخط الإلهي والطريق التي خصّصها الله لها، فلو كنا نحن نسلك سبيل التوحيد والإيمان والسير نحو الله فنحن مع الكون: "ولا تستوحشوا طريق الهدى لقلّة أهله" (كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام)، يعني: لو افترضنا نحن نفر قليل في العالم، ولكن الكون والسماء والأرض والنجوم والبحار والجبال والرعد والعواصف، كل شيء معنا في موكبنا وفي خطنا، طبعاً: هذا بحث طويل نذكره في وقت آخر.. وصلنا الى هذه النقطة بأنّ المقصود من اليمين في القرآن الكريم ليس التأكيد على صحة ما يقول وما يأتي بعد اليمين، بل المقصود لفت نظر المستمع الى قداسة ما يُحلف به، وبناءً على هذا: العصر شيء مقدس، ما هو معنى العصر؟ المفسرون ذكروا وجوهاً عديدة، فبعضهم قال: "والعصر" يعني الدهر والزمان والأيام، ونحن نعرف أنّ الأيام والزمان والدهر مخلوقات لله مقدسة ككل شيء في الكون، لأنّ الإنسان يتمكن أن يستفيد من هذا الدهر ومن هذا الزمان، وفي الدهر وقع ما وقع، والدهر مليء بالعبر، كم من ناس، كم من شخصيات، كم من كبار، كم من صغار.. في التاريخ نجد ما فيه عبرة للإنسان، فإذن: الدهر والعصر أمر عظيم، وإذا قدّسناه واحترمناه وأخذنا العبر منه نستفيد في حياتنا، فإذن: العصر يعني الدهر.. بعض المفسرين يقولون: العصر يعني عصر النبي (ص)، لماذا؟ على أساس أنّ عصر النبي كان مليئاً بالخير وإشاعة النور والبدء بالرسالة الخاتمة الإلهية العامة، يعني: عصر النبي عصر عظيم، هذه أقوال القائلين.. ونحن سوف نصل في آخر الآية الكريمة الى أنّ المعنى المتناسب لليمين هو العصر مقابل الظهر، لماذا؟ لأنه بعد هذه الفقرة (والعصر) يوجد: إنّ الإنسان لفي خُسر، الإنسان في خسارة، لماذا؟ واضح جداً: لأنّ الإنسان مع كل يوم يخسر يوماً من حياته، مع كل يوم تطوى صفحة من حياة الإنسان، فالإنسان في خسارة دائمة، يعني: يفقد كل لحظة من عمره الذي هو رأس ماله الوحيد، كل لحظة يفقد شيئاً، فإذن: لسنا بحاجة الى أي دليل أو تنظير آخر.. طبعاً: إلا الذين آمنوا، فما دام القرآن يريد أن يقول: إنّ الإنسان لفي خسر، فمن المتناسب أن يذكر العصر مقابل الظهر، لماذا؟ باعتبار أنه في العصر بوضوح حسّي يشعر الإنسان بقُصر عمر النهار وبذهاب النهار السريع، بينما في الصباح الإنسان لا يشعر بهذا الشعور، باعتبار أنّ العالم لا يزال نيّراً ومضيئاً، لا يزال أول النهار، كل يوم الشمس تطلع، ثم ينقص عمر النهار، لكن ذلك ليس ملموساً إلا بعد الظهر، وخاصةً وقت العصر، فيرى الإنسان أنه أخذ ينتهي النهار، إنتبهنا الى هذه الخسارة والنقص المستمر في العصر؟ ثم نقول إنّ الإنسان لفي خُسر، نفهم معنى إنّ الإنسان لفي خُسر أنّ الإنسان في كل لحظة يفقد شيئاً، فإذن في خسارة مستمرة، المعنى المتناسب هو في يمين والعصر مقابل الظهر، وهذا ليس شيئاً غريباً في القرآن، ففي القرآن الكريم نجد (والضحى) يعني: اليمين بالضحى، والليل.. والشمس.. وهكذا.. النقطة الثانية التي أحبّ أن ألفت نظركم إليها أنّه لو كان العصر بمعنى الدهر والأيام والزمن، فلماذا القرآن لا يقول: والدهر إنّ الإنسان لفي خُسر؟ لماذا لا يقول: والأيام؟ والزمن؟ لماذا لا يحلف بالتعبيرات الأخرى؟ لماذا ينتقي هذا التعبير بالذات؟ لعل السبب في اختيار كلمة العصر من بين سائر التعبيرات هو هذا المفهوم الخاص بهذا التعبير أنه بوجد عصر ويوجد دهر.. الدهر والعصر كلاهما زمن، لكن لازم الواحد ينتبه للعصر ويعرف أنّ العصر كلمة اشتُقت من مادة عصر يعصر، والعصر ينبّه بأنّ الزمن يعصر، الزمن باهظ، الزمن يربّي، الزمن يخلق مشاكل، مليء بالمشاكل والأحداث، العصر ليس الوقت السهل والحصول العابر، فيختار هذه النقطة حتى يصل الى هذه النتيجة بأنه أحلف بالزمان الذي يعصر الإنسان عصرا، تمهيد للجُمَل الآتية، فمهما كان الأمر، سواء كان "والعصر" يعني آخر النهار أو الأيام أو عصر النبي، فكلها صحيحة باعتبار أنّ اليمين يصح تعلّقه بكل هذه المسائل حسب المقدمة التي ذكرناها، والعصر إنّ الإنسان لفي خُسر: البشر في خسارة، قلنا أنّ خسارة الإنسان واضحة باعتبار أنّ الإنسان يفقد في كل لحظة لحظة من عمره وصفحة من حياته، فالإنسان في خسارة دائمة.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر: هذا البشر الذي يحفل ويتميز بهذه الشروط الأربعة (الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر)، والتواصي بالحق يعني التوصية المتقابلة، يعني: كلٌ يوصي الآخر بالحق، والتواصي بالصبر يعني: كلٌ يوصي الآخر بالصبر، الإنسان الذي فيه هذه الشروط الأربعة ليس بخاسر.. ليس في خُسر.. لماذا؟ نوضح النقطة بصورة موجزة: الذي يؤمن ويعمل الصالحات يفقد يوماً، ولكن عوّض عن هذا اليوم وصرف هذا اليوم في سبيل شيء أغلى، بالمنطق المادي التجاري: الفلاح يملك عشرة كيلو من القمح، فيوزعهم في الأرض، يعني: يخسر هذه الكيلوات، لكن هل هذا خسارة؟ أبداً، لأنه محل كل حبة ترجع إليه أكثر من سبعة، أو أكثر أو أقل: حسب المنطقة وحسب خدمة الأرض والسقي والمناخ، هذا ليس خسارة، فالإنسان الذي هو في خُسر، والإنسان الذي يفقد في كل لحظة لحظة من عمره.. إذا استعمل هذه اللحظة في سبيل خير وعمل صالح فهو أعطى ساعة وأخذ الخلود، أنت فقدت ساعة لكن درست، درست لمجرد الدرس؟ لا يكفي، العلم ليس غاية.. العلم وسيلة.. أنت بخلال هذه الساعة التي فقدت من المدرسة تزودت وأصبح عندك رأس مال للعمل، فإذا استعملت علمك في سبيل الخلود، في سبيل راحة البشر، في سبيل الخير العام: أنت ما فقدت شيئاً، أنت ما ذهب من عندك لحظة ولا ساعة ولا شهر من حياتك.. أنت باقٍ ما دام العمل باقياً، وهذا الشيء واضح، لأنّ حقيقة الشيء وحياة الشيء بآثاره، وما دام يعيش الآخرون في أثرك، في مؤسستك، في مدرستك، يستفيدون من خدماتك ومن نتائج عمرك.. إذن: أنت موجود، الآن نحن نعيش مع محمد (ص) في تعاليمه، نحن نعيش مع علي (ع)، نحن نعيش مع الخيّرين من الناس الذين خدموا البشرية وهيأوا العلم ووسائل الراحة للبشر، نحن نعيش معهم، وهم يعيشون معنا، فإذن: الإنسان في خسارة إلا الشخص الذي يقدّم عمره كرأس مال، فيرجّع أكثر من عمره، هذا واضح، الإنسان في خسارة، إلا هؤلاء، مَن هؤلاء؟ علينا أن ننتبه لهذه القطعة، لأنه هذا كلام الله، ليس فيه مبالغة، لأنّ القرآن الكريم يقول: وما علّمناه الشعر وما ينبغي له (يس-69)، محمّد لا ينظم الشعر حتى يبالغ أو يجامل، النبي (ص) لا يتكلم ولا يقول عن هواه، بل يقول عن وحي الله من دون مبالغة أو إفراط أكثر من الواقع، الحقيقة: كل الحقيقة.. ثم بحث مصيري: نحن نشعر بأنّ عمرنا ينقضي، فإذن: من الرابح؟ الاستثناء يحصر الرابح، لا رابح غير هؤلاء، هناك من يربح مؤقتاً ولزمنٍ ما، وهناك من يربح أكثر، ولكن الربح المطلق وبشكل أبدي هو لهؤلاء، وبإمكاننا أن نقول أنّ هذه الشروط الأربعة ترسم الخط الصحيح والتفكير الصحيح لحياتنا، للذي يحب الخلود، أو بتعبير آخر: لحياة الإنسان، لأنّ الإنسان ما وُلد لكي يموت، الإنسان ما خُلق لكي يفنى، الإنسان وُلد لكي يبقى، وما دام يموت في جسده المفروض أن يعيش في آثاره، أما الشروط الأربعة فنريد أن نبحث فيها طويلاً.. أذكر قسماً من المعاني التابعة لهذه الشروط الأربعة، ونترك القسم الآخر لليلة القادمة.. الإيمان ومفهوم الإيمان: الإنسان بحد ذاته موجود قصير العمر، لأنه يعيش أقل من مئة سنة، الإنسان بحد ذاته موجود ضعيف ذو حاجات كثيرة، وكل حاجة تشكّل ضعفاً، الإنسان بحدّ ذاته له ميول وأهواء قد تجرّه الى نقاط عديدة مختلفة، بينما الإنسان المؤمن، يعني الإنسان المتصل بحبل متين الذي هو حبل إيمانه بالله الخالق، هذا الإنسان يتحول الى الخالق، يتصل بالله بإيمانه بالله القوي، فيتحول الى موجود قوي بالله الحق، فيتحول الى الحق، هذا بحث سوف نذكره تفصيلاً، ولكن أعطيكم فكرة عن هذه الخطوط الأربعة، يعني: أضع العناوين لكي ندخل في يوم مستقل في توضيح هذه النقاط.. الإنسان وحده قصير العمر، عاجز، له أهواء، منفصل عن العالم، والإنسان المتصل بالله وبالإيمان قوي.. خالد.. حق.. منسجم مع العالم، هذه النقاط الأربع للبحث القادم.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات: العمل الصالح من نتائج الإيمان أولاً، وضمانة لبقاء الإيمان ثانياً، يعني: ليس العمل الصالح فقط له أثر في الإيمان، بل ترك العمل الصالح يؤدي الى ترك الإيمان أيضاً، فالعمل الصالح هو خلود الإنسان وبقاء الإنسان، هذه النقطة الثانية، والعمل الصالح عوض وربح عن ساعات الحياة التي يخسرها.. ثم: التواصي بالحق والتواصي بالصبر، لا شك أنّ الإنسان وحده مهما كان بطلاً أو مجاهداً يتأثر ببيئته، ينفعل بالعالم الذي يعيش فيه، ولهذا فالبقاء في خط الإيمان والعمل الصالح لا يمكن إلا مع تكوين الجماعة، الجماعة الكبيرة التي نسميها المجتمع، والجماعة الصغيرة التي نسميها باصطلاحنا الجديد الحزب أو الجماعة أو الكتلة أو الجمعية أو كتلة الأصدقاء أو إخوان الصفا، سمّه ما شئت.. الكتلة الصغيرة.. الإنسان وحده لا يتمكن، يذوب.. ينفعل.. يضل.. ينحرف.. لكن الإنسان مع الجماعة يستقيم، ولهذا التواصي بالحق، يعني: أنا أقول لك الحق، وأنت تقول لي الحق، والتواصي بالصبر لأنّ الطريق شاق، أنت تنصحني بالصبر، وأنا أنصحك بالصبر، هذا الشرط الأساسي لبقاء الإيمان والعمل الصالح، ثم لتكريس العمل الصالح وتطبيقه على الخارج.. إلا الذين آمنوا: في العناوين الأربعة التي ذكرناها، الإيمان هو حقيقة الإنسان، لأنّ الإنسان ما وُلد لكي يكون ضعيفاً فانياً متعدد الأهواء معزولاً عن الكون، بل خُلق لكي يكون قوياً خالداً حقاً موحَّد الأهواء منسجماً مع الكون.. هذه النقاط الأربع.. ثم بعد الإيمان يأتي العمل الصالح الذي هو تكريس للإيمان وأثر من الإيمان.. خُلق الجماعة لكي ينصح أحدهم الآخرين (والعكس) بالحق حتى يتكون مجموعة حتماً بسلامة إيمان الإنسان وعمل الإنسان.. وأخيراً: التواصي بالصبر في الخط السليم إنشاء الله، هؤلاء هم الخالدون، وهم الرابحون، أما ما عداهم فيفقدون عمرهم من دون عوض، أو مع عوض لا يعادل ما خسروه.. غفر الله لنا ولكم.. السيد موسى الصدر __________________ | |
|